Episodios

  • ‫طول العمر - علوم العمر الطويل وفنونه‬
    Jul 5 2025
    كان هناك طبيب شاب طموح اسمه بيتر، حلم بأن يكون أفضل جراح سرطان بنكرياس في العالم. عمل بجد، وتفوق على توقعات معلميه ووالديه بدخوله ستانفورد ومن ثم مستشفى جونز هوبكنز. كانت تلك الفترة من أفضل فترات حياته، على الرغم من القلق الذي كان ينتابه بسبب حلم متكرر لم يستطع التخلص منه على مدار عشرين عامًا. في حلمه، كان يرى بيضًا يتساقط من أعلى مبنى، وكان يركض محاولًا التقاط أكبر عدد ممكن منه، لكنه كان يشعر بالفشل والعجز مع كل بيضة تسقط. هذا الحلم كان يعكس واقع مهنته: كان يزيل الأورام ويعتقد أنه "يمسك البيضة"، لكن سرعان ما كان يدرك أن معظم هؤلاء المرضى سيموتون حتمًا بعد بضع سنوات، وأن "البيضة ستسقط على الأرض". هذا الإدراك لعبثية الأمر أحبطه لدرجة أنه ترك الطب بالكامل وانتقل إلى مجال الاستشارات الإدارية. بعد فترة في عالم الأعمال، حيث تعلم أهمية فهم المخاطر، حدث تداخل في الأحداث أعاده إلى الطب بنهج جديد. أدرك بيتر أن الحل ليس في أن يصبحوا أفضل في التقاط البيض بعد سقوطه، بل في منع الشخص الذي يلقي البيض من الأساس، أي "التوجه إلى أعلى النهر لمعرفة سبب سقوط الناس بدلاً من الاكتفاء بانتشالهم منه". تجلّى هذا النهج في فهمه للموت. في جونز هوبكنز، تعلم أن الموت يأتي بسرعتين: سريع وبطيء. الموت السريع، كإصابات الرصاص والطعن، كان الطب التقليدي بارعًا في التعامل معه، حيث يمتلك أطباء الجراحة قدرة مذهلة على إنقاذ الأرواح في الحالات الحادة. أما الموت البطيء، الناتج عن الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز العصبي التنكسية والسكري من النوع الثاني، فكان الطب أقل نجاحًا في منعه. أدرك بيتر أن الطب الحديث يتدخل دائمًا في الوقت الخطأ، غالبًا بعد فوات الأوان، عندما تكون "البيضات قد سقطت بالفعل". على سبيل المثال، في حالات السرطان، يكتشف المرض غالبًا بعد أن يكون قد استوطن الجسم لسنوات. وحتى أمراض القلب، قد تكون متقدمة لعقود قبل حدوث نوبة قلبية. هذا دفعه إلى استنتاج منطقي: يجب التدخل مبكرًا جدًا لمنع هذه الأمراض، أو ما أسماه "الفرسان الأربعة". الرحلة الشخصية لبيتر كانت دافعًا رئيسيًا لهذا التحول. في سن السادسة والثلاثين، وبعد ولادة ابنته أوليفيا، اكتشف أن مؤشرات المخاطر الوراثية والشخصية لديه تشير إلى تعرضه للموت المبكر بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، أسوة برجال عائلته. كما أنه اكتشف إصابته بمقاومة الأنسولين، وهي خطوة أولى نحو السكري من النوع الثاني ومشاكل صحية أخرى. هذه اللحظة على الشاطئ كانت بداية اهتمامه بـ"طول العمر". الهدف من طول العمر، كما يراه بيتر، ليس فقط إضافة سنوات إلى الحياة، بل إضافة حياة إلى السنوات. هذا ما أسماه "فترة الصحة". لقد رأى الكثيرين، مثل والدة صديقته بيكي، صوفي، يعيشون لسنوات طويلة لكن في تدهور جسدي وعقلي مؤلم. ولتجنب هذا المصير، يجب مواجهة "الفرسان الأربعة". يركز بيتر في كتابه على نهج ثوري ومسبق للصحة. يرى أن فشل الطب الأكبر يكمن في محاولته علاج هذه الأمراض المزمنة في وقت متأخر. بدلاً من ذلك، يدعو إلى استراتيجية ثلاثية الأبعاد لطول العمر: الهدف، الاستراتيجية، التكتيكات. الهدف هو العيش أطول وأفضل. الاستراتيجية هي فهم هذه الأمراض وآلياتها. أما التكتيكات فهي الأدوات العملية لتحقيق ذلك. الكتاب ...
    Más Menos
    7 m
  • دروس الحب
    Jul 5 2025
    قصة حب رباح وكيرستن في زمن مضى، نشأ رباح بفكرة رومانسية عن الحب، فكرة آمنت بوجود "شقيقة الروح" التي تقدم إجابة لوجوده كله، إحساسًا بالكمال يتجاوز المنطق، ويُولد مع الحلم بها. هذه الفكرة ترسخت في ذهنه منذ لقائه الأول بفتاة صغيرة عند المزلقة المائية في سن الخامسة عشرة. ظل يختبر هذا "التوق المر الحلو" لسنوات طويلة، متخيلًا نساءً أخريات يراهن في الحافلات والمكتبات كشقيقات روح مفقودات. بعد سنوات، في إدنبره، حيث كان يشعر بالوحدة والضياع بعد فشل علاقة سابقة، التقى رباح بـكيرستن في موقع عمل. كانت ترتدي ملابس عمل عملية، لكن رباح انجذب فورًا لصفاتها الجسدية والنفسية الفريدة: هدوئها، وقوة شخصيتها، وتفاصيل صغيرة كعدم انتظام أسنانها الأمامية. شعر كأنه يعرفها دائمًا، وأنها تقدم له إجابة لمناطق ألم حائر في داخله. كان حبه لكيرستن استجابة منطقية لاكتشافه فيها "قوة متممة" لشخصيته. لقد وقع في حب هدوئها، وإيمانها بأن كل شيء سيكون بخير، وافتقارها للإحساس بالاضطهاد أو القدرية. كان يحبها من منطلق إحساس بالنقص وعدم الكمال، ورغبته في أن يصير مكتملًا. وكذلك، كانت كيرستن تسعى لتعويض نقاط ضعفها، فانجذبت لرحلات رباح وقدرته على التحدث بالعديد من اللغات وثقافته المتنوعة. لقد وجدا في بعضهما البعض من يفهم جراحهما العميقة. أصبحت علاقتهما ملاذًا لتجارب الطفولة والمشاعر الخفية، حيث سمح كل منهما للآخر برؤية جوانبه "المجنونة" و"الخفية". لم يمر وقت طويل حتى اقترح رباح الزواج. كان هذا القرار مدفوعًا برغبته في "تجميد" مشاعرهما المتوهجة، وأيضًا بكراهيته الشديدة لفكرة البقاء وحيدًا، حيث يصف المجتمع العزوبية بأنها "مرهقة ومثيرة للكآبة". قبلت كيرستن، رغم ميلها للتهكم وتشكيكها في هذه الأمور، لأنها شعرت بصدقه وحاجته العميقة. بعد الزواج، بدأت "الأمور السخيفة" في الظهور. خلافات حول درجة حرارة غرفة النوم، ومواعيد العشاء، وحتى طريقة رواية القصص. كشفت هذه الخلافات عن نقاط التضاد الأساسية بين شخصيتيهما، والتي كانت تعود إلى جراح ماضيهم (خوف رباح من الفوضى بسبب تجاربه في بيروت، وحاجة كيرستن للتحكم بسبب هجر والدها). اكتشفا أن الحب مهارة، لا مجرد حماسة، تتطلب صبرًا وتفهمًا. أدركا أن المرارة تظهر حيث يغيب الصبر، وأن الغضب غالبًا ما ينبع من مكان منسي. كما واجه الزواج تحديات أخرى، كظهور الرغبات الجنسية خارج إطار الزواج، حيث تخيل رباح أنتونيال، وكيرستن صيادًا خشنًا. هذه الخيالات، وإن كانت "محرمة" في المنطق الرومانسي التقليدي، كانت تعبر عن حاجات غير مُلبّاة، ووجدت متنفسًا آمنًا في عالم الخيال أو حتى في ممارسات جنسية "متحررة" يتبادلانها. كانت إحدى أكثر الظواهر تعقيدًا هي "الحرد" (Sulk)، وهي مزيج من الغضب الشديد والرغبة الملحة في أن يُفهم المرء دون الحاجة إلى التفسير. هذا السلوك يعكس العودة إلى طفولة كان فيها الوالدان يفهمان احتياجات الطفل دون كلمات. وفي لحظات التوتر، كان رباح وكيرستن يلومان بعضهما البعض على كل خيبة أمل في حياتهما، مُوجهين غضبهم إلى الطرف الأقرب والأكثر تسامحًا، لأن العالم الخارجي أكبر من أن يُلام. مع قدوم طفليهما، إيثر وويليام، تعلم رباح وكيرستن نوعًا جديدًا من الحب: حب الخدمة غير المشروطة. أدركا أن النضج يعني أن الحب الرومانسي لا يشكل سوى جانب ضيق من ...
    Más Menos
    7 m
  • خلف الأسلاك الشائكة
    Jul 4 2025
    كان يا ما كان في زمان مش بعيد، شاب كويتي طموح اسمه ياسر البحري، كانت حياته مليانة بالنجاحات اللي تحسد عليها. من صغره، كان محظوظ، من يوم ما اتولد وشاف قوسي قزح فوق بيته، لحد ما بقى لاعب أساسي في منتخب الكويت للشباب لكرة القدم. طموحه الكبير جابه أمريكا، لولا غزو صدام حسين للكويت. وفي فلوريدا، قدر يحقق حلمه ويفتح "كافيه شيشة"، أكبر وأشهر كافيه عربي على الطراز الشرقي في الولاية، وكان بيدخل له 2000 دولار في اليوم. ياسر كان شايف نفسه "العراب"، مزيج من روبيرت دي نيرو وآل باتشينو، بيحب يتقمص الشخصيات من صغره. في يوم من الأيام المشؤومة، بيتقدم للكافيه بنت شابة اسمها ميمي. ميمي كانت بيضاء، شقراء، وجريئة في لبسها وتصرفاتها. ياسر كان مستغرب من جرأتها، خاصة إنها جت تقدم على الوظيفة الساعة 11 الصبح، مع إن الكافيه بيفتح الساعة 4 العصر. بس عشان الكافيه كان محتاج موظفين، مديرة الكافيه "توفا"، اللي ياسر كان بيعتبرها زي أخته وأمينة جداً، وافقت تشغلها بعد إلحاح ميمي وموافقتها تخفض راتبها. في يوم أربعاء، واللي ياسر سماه "اليوم المشؤوم"، كان ياسر تعبان من دراسة الدكتوراه والشغل، فغفل ونام في غرفة الـ VIP في الكافيه. صحي على ميمي وصاحبتها تارا داخلين عليه، وعرضوا عليه قهوة عشان شكله تعبان. بعد ما شرب القهوة، ياسر حس بدوار ورؤيته بقت مش واضحة. اختفوا ميمي وتارا ورجعوا ومعاهم شيشة فراولة وإزازات كتير. بعدين، ياسر صحي لقى نفسه لوحده في الكافيه الساعة 4 الصبح، مش فاكر أي حاجة. اكتشف بعدين إنه لقى ميمي في الحمام شبه فاقدة للوعي من السُكر، وساقها لبيتها بصعوبة. تاني يوم الصبح، ياسر بيتفاجئ بشرطة بتخبط على بيته الجديد! محققة اسمها إليزابيث ومحقق اسمه جاك. يسألوه عن ميمي، ويقولوله إنها بتتهمه بالتحرش بيها جنسيًا واغتصابها. ياسر بيتصدم، وما بيقدرش يتكلم. بيطلبوا منه ياخدوا عينات DNA من إيديه، ويطلبوا منه يفتح الكافيه عشان يفتشوه. ياسر بيوافق، مع إن ايديه بتترعش. المحققين بيفسروا رعشته دي كدليل على الذنب، مع إنها عادة عنده بسبب القهوة والسجائر. ياسر بيتصل بـ طارق، جوز أخته، واللي نصحه إنه ما يروحش الكافيه ولا يفتحه للشرطة من غير إذن تفتيش. طارق بياخده لمكتب المحامي مات ويلارد، محامي جنائي. مات بيطلب 10 آلاف دولار، وبيوهم ياسر إنه محامي ما بيخسرش قضايا. مات بيكلم تارا، اللي بتقول إن ياسر كان سكران وحاول يتحرش بيها. ياسر بينهار وبيصرخ إنه مش مغتصب. مات بيطلب من توفا تروح تنظف الكافيه وتمسح أي آثار ممكن تدين ياسر قبل ما الشرطة توصل. توفا بتوصل وبتلاقي الشرطة واقفة على أبواب الكافيه، ومُنعوا من الدخول. ياسر بيروح لصحابه آدم وسامي (ألمانيين مسلمين)، وآدم بينصحه بـ المحامي روبرت هاريسون، وبيقوله إن هاريسون داهية. ياسر بيتعاقد مع هاريسون، وبيكتشف إن الشرطة اعتبرت الكافيه "مسرح جريمة". آدم بيقترح على ياسر محامي تالت اسمه ستيفن، معروف بحيله وألاعيبه. ستيفن بيبعت محققين خاصين، منى وهستلر، عشان يكلموا ميمي. هستلر بيعرض على ميمي فلوس عشان تتنازل عن القضية، وهي بتطلب مليون أو اتنين دولار. هستلر بيزعقلها وبيقولها تاخد 10 أو 20 ألف دولار وتتنازل. اللي بيحصل ده بيدمر قضية ياسر، وبتوصل الأخبار لإليزابيث، اللي بيزيد إصرارها على إدانته. في الوقت ده، الإعلام بيصور ياسر كـ "صاحب ...
    Más Menos
    8 m
  • الموت عمل سهل
    Jul 4 2025
    كان يا مكان في قديم الزمان، رجل عجوز اسمه "روح السيد"، بلغ التسعين من عمره. كان دايماً بيحس بالوحدة والعزلة. حياته كانت عبارة عن سجن جوه دماغه، وذكرياته بتختلط بين الواقع والأحلام. ورغم إنه كان بطل حرب الاستقلال، واللي كانت حرب قاسية مليانة برود وحرارة، ودم وتعب، وبيشوف فيها الموت بعنيه كل يوم، إلا إنه بعد ما الحرب خلصت بقى بيحس إن ذكرياته مجرد تمثيليات بيعيشها كل سنة في احتفالات التحرير. مرت الأيام، ومات أهله وإخواته وزوجته "نجاة"، اللي اتجوزها وهو عنده خمستاشر سنة، وحتى ابنه الصغير "ماجد". بيحكي روح السيد عن حادثة مؤلمة عمره ما ينساها، لما قطار شركة "كوكا كولا" اصطدم بسفينة "بيبسي" في ميناء باطنا. المشهد كان فوضوي ومأساوي، جثث متناثرة في كل مكان، وصراخ استغاثة بيملى السما. هو نفسه نجى بأعجوبة من الحادثة دي. في يوم من الأيام، بيظهر شاب نحيف اسمه "جافريلا"، بعين واحدة بني والتانية زرقا. جافريلا ده كان هو "الفقير" اللي كلف روح السيد بمهمة اغتيال شخص اسمه "جيجو معصوم". روح السيد بيستغرب إزاي هو، الرجل العجوز، مطلوب لمهمة زي دي. جافريلا بيسلمه بطاقة هوية عليها شعار "جمهورية تركيا" وبيخليه يقرأها بصوت عالي. يكتشف روح السيد إن "أوزان"، حفيد أخوه، مريض بالسرطان ومحتاج زرع نخاع عضم. بيلتقي روح السيد بـ**"ليلى نزلان"** اللي اسمها بيتقال برضه "ليبرس"، وهي أم لأوزان، وساعتها بيقع في حبها رغم فارق السن الكبير بينهم. الحب ده بيديله أمل جديد في الحياة. مع الوقت، بيكتشف روح السيد بمساعدة جافريلا إن جيجو معصوم ده مش مجرد مجرم عادي، ده مهندس معلومات بيدير شركة اسمها "توبيت". الشركة دي بتزرع رقاقات إلكترونية في أدمغة الناس عشان تتحكم في أفكارهم ومشاعرهم وتوجههم للإعلانات، وده اللي كان ورا حادثة القطار والسفينة المأساوية. جيجو معصوم بيستغل الألم والخوف عشان يسيطر على الناس. روح السيد بيقرر إنه لازم يوقف جيجو معصوم، مش بس عشان المهمة اللي تكلف بيها، لكن الأهم عشان ينقذ أوزان من المرض وعشان يحرر الناس من سيطرة جيجو معصوم على عقولهم. بيبدأ يجمع معلومات عن جيجو وعن الشركة بتاعته. في مواجهة حاسمة في مكتب جيجو معصوم، روح السيد بيحاول يجبر جيجو على إنه يطلع الرقاقة اللي زرعها في دماغ أوزان. جيجو بيوضح فلسفته في التحكم في البشر من خلال الإعلانات والمال. المعركة بتبدأ، وروح السيد بيطلق النار على جيجو معصوم. بتكون لحظات مليانة توتر وصراخ، وبيحاول روح السيد وليلى نزلان وبنتها صحارى الهروب من رجال جيجو. روح السيد بينجح في إصابة جيجو، لكن مصيره بعد كده بيكون غامض. بيختفي جيجو، وروح السيد بيستمر في معاناته الداخلية. في النهاية، بتفضل حياة روح السيد خليط من الواقع والخيال، من الذكريات البطولية والألم، ومن الوحدة والأمل. بيكتشف إن حياته كانت مجرد تمثيلية كبيرة، وبيفضل يتأمل في الموت والحياة، وبيتوصل لفلسفته الخاصة إن "الموت عمل سهل". رغم كل اللي شافه وعاشه، بيظل السؤال اللي بيشغله هو معنى الحياة، وهل الموت هو الشرط الوحيد ليها، وهل ممكن الخروج من القبر سالمًا معافى؟ بتظل شخصيته معقدة، بطل حرب ومحارب في الحياة، لكنه دايماً بيلاقي نفسه وحيد في صراع لا ينتهي.
    Más Menos
    5 m
  • المدينة الفاضلة
    Jul 3 2025
    في قديم الزمان، أو ربما في مستقبل مشرقٍ طالما حلم به الفلاسفة، تصور حكيمٌ عظيمٌ يُدعى الفارابي، مدينةً لا مثيل لها، مدينةً تتوقُ النفوسُ إليها، سماها "المدينة الفاضلة". لم تكن هذه المدينة مجرد مكانٍ للعيش، بل كانت تجسيدًا للكمال البشري والسعادة الأبدية. بدأ الفارابي قصته بتأكيد حقيقةٍ أساسيةٍ عن بني البشر: الإنسان كائنٌ اجتماعيٌ لا يستطيع تحقيق كماله وسعادته بمفرده. إنه يحتاج إلى العيش مع الآخرين والتعاون معهم لإشباع حاجاته وتحقيق غاياته السامية. وهذا التعاون هو أساسُ المجتمعات الكاملة التي تهدف إلى السعادة. في هذه المدينة الفاضلة، كان لكل شيءٍ نظامٌ محكمٌ، يشبهُ نظامَ الكون العظيم. فكما أن الوجود يبدأ بـ "الموجود الأول" وهو الخالق سبحانه وتعالى، ثم تتفرع منه مراتبُ من الكائنات الروحانية والعقولِ التي تُدبّر الكون، وصولاً إلى الموجودات المادية، كذلك المدينة الفاضلة يجب أن تُبنى على هذا الأساس الهرمي والمنظم. وكان قلبُ هذه المدينة النابض وروحُها الحكيمة هو رئيسُها. هذا الرئيس ليس كأي قائدٍ، بل هو الإنسان الكامل الذي يجمع في شخصه خصالاً فطريةً ومكتسبةً تليقُ بأسمى درجاتِ الرياسة. كان يتمتعُ بصحةٍ بدنيةٍ ممتازةٍ، وذكاءٍ حادٍ، وذاكرةٍ قويةٍ، ولسانٍ فصيحٍ يُبينُ كل ما يضمر. يحبُ العلمَ والتعلمَ، ويكرهُ الظلمَ والجورَ، ويُحبُ العدلَ ويُبغضُ الكذبَ. شجاعٌ ومقدامٌ، قويُ العزيمةِ، وكريمُ النفسِ متسامٍ عن الدنايا. والأهم من كل ذلك، أن روحَه تتصلُ بـ "العقل الفعّال"، فتتلقى منه الإشراقَ والمعرفةَ الإلهيةَ مباشرةً دون وسيط. وبذلك، يصبحُ قادراً على إدراكِ الحقائقِ الكليةِ، ويسوسُ المدينةَ بمنزلةِ الوحي. الفارابي يرى أن هذا الرئيس يجب أن تتوافر فيه ست عشرة صفة فطرية وست صفات مكتسبة. أما بقيةُ أهلِ المدينة الفاضلة، فكانوا كـ أعضاء الجسد الواحد. لكلٍ منهم وظيفته ودورُه، ويعملون بتناغمٍ تحت إشرافِ الرئيس لتحقيقِ الهدفِ الأسمى. فمنهم من يتقدمُ في العلمِ، ومنهم من يبدعُ في الصناعاتِ، ومنهم من يخدمُ في شؤونٍ أخرى، وكلما كانت أعمالهم أكملَ وأفضلَ، زادَ ميلُهم نحو السعادة. فالسعادةُ لا تُنالُ إلا بالأعمال الفاضلةِ التي تكررت وزادتْ جودةَ النفسِ وميلَها إلى الخير. الهدفُ الأسمى لسكان هذه المدينة كان تحقيق السعادة الحقيقية، والتي لا تتحققُ إلا بالتعاونِ الصادقِ بين جميعِ أفرادِ المجتمع. فالناسُ فيها يكتسبون الفضائلَ، وتسمو نفوسهم لتصلَ إلى أرقى درجاتِ الصفاء والكمال، متحولين من قوة الإدراك والتخيل إلى الفعلِ والعقلِ المستفادِ والعقلِ الفعال. ولكن، الفارابي لم يكتفِ برسم هذه الصورةِ المثاليةِ. فقد قارنَ المدينة الفاضلة بمدنٍ أخرى غيرِ فاضلةٍ، وهي:المدينة الجاهلة: أهلُها لا يعرفون السعادة الحقيقيةَ، وإنما يسعون فقط للمتعِ الماديةِ كالغنى والشهرةِ والأهواءِ، أو السلطةِ والغلبةِ، دونَ سعيٍ للفضيلةِ أو المعرفةِ.المدينة الفاسقة: يعرفُ أهلُها السعادةَ بالقولِ، ولكنْ أعمالُهم لا تتوافقُ معها.المدينة الضالة: تعتقدُ مبادئَ خاطئةً وآراءً فاسدةً حولَ السعادةِ وواجباتِ الإنسان.المدينة المتبدلة: كانت فاضلةً في الأصلِ، لكنها انحرفتْ وتغيرتْ أهدافُها وأعمالُها عن المبادئ الأولى.وفي الختامِ، أكد الفارابي أن المدينة ...
    Más Menos
    7 m
  • المزدوج
    Jul 3 2025
    قصة ياكوف غوليادكين والظل الذي تبعه في مدينة سان بطرسبورغ الصاخبة، عاش موظف حكومي بسيط يُدعى السيد ياكوف بتروفيتش غوليادكين. كان السيد غوليادكين رجلاً هادئًا ومنظمًا، يعيش حياة روتينية دقيقة، لكنه كان يُعاني من قلق داخلي واضطراب لا يُفارقه. في أحد الأيام، ومع تصاعد هذه المشاعر، قرر زيارة طبيبه الخاص كريستيان إيفانوفيتش. نصحه الطبيب بتغيير عاداته، والابتعاد عن الاختلاط، والبقاء في المنزل، مشيرًا إلى أن حالته النفسية تتطلب ذلك. بعد هذه الزيارة، وبينما كان السيد غوليادكين يستعد لحفل كبير في منزل أولسوفي إيفانوفيتش، بدأ يشعر بترقب غريب. وصل إلى الحفل، وهناك، في خضم الأضواء والوجوه، حدث ما لم يتوقعه أحد: شاهد شخصًا آخر، نسخة طبق الأصل منه، يقف أمامه. كان هذا الشخص الجديد، الذي أُطلق عليه لاحقًا اسم "المزدوج" أو "الصنو"، يشبه السيد غوليادكين في كل تفصيلة، مما أدخله في صدمة كبيرة. في البداية، بدا المزدوج وكأنه صديق ورفيق، حتى أنه أخذ مكان السيد غوليادكين في إحدى عرباته. لكن سرعان ما انقلبت الأمور. بدأ المزدوج يتصرف بوقاحة، ويُقلد السيد غوليادكين، ويُحاول سلب مكانه في العمل وفي المجتمع. كانت تصرفات المزدوج تضع السيد غوليادكين في مواقف محرجة أمام زملائه والآخرين، مما زاد من قلقه وإحساسه بالاضطهاد. شعر السيد غوليادكين وكأنه يُحاصر، وأن المزدوج يتبعه في كل مكان، مُهددًا وجوده وهويته. حاول السيد غوليادكين مراراً وتكراراً مواجهة المزدوج، لكنه كان يفشل في كل مرة، حيث كان المزدوج يتمتع بقدرة غريبة على التلاعب بالأمور وجعل السيد غوليادكين يبدو أحمق أو مجنونًا. أدت هذه التجربة المريرة إلى تدهور حالته النفسية بشكل كبير؛ فبدأ يعاني من الهلوسات ويرى المزدوج في كل زاوية. ومع مرور الوقت، أصبح السيد غوليادكين أكثر عزلة ويأسًا. فقد فقد ثقته بنفسه وواجه صعوبة في التمييز بين الواقع والوهم. النهاية تُظهر السيد غوليادكين غارقًا تمامًا في اضطرابه الداخلي، غير قادر على الفهم أو الهروب من الكابوس الذي يطارده. تُركت حالته مفتوحة على التأويل، مما يُعزز فكرة انهيار عقلي كامل. من الجدير بالذكر أن هذه الرواية، التي كتبها دوستويفسكي في فترة عصيبة من حياته عانى فيها من الفقر والحاجة، لم تلق قبولاً واسعًا عند صدورها أول مرة. لكنها أعيد نشرها بنسخة معدلة عام 1866. يشير المترجم إلى أن عبقرية دوستويفسكي تكمن في قدرته على تقديم أفكار عميقة وجذابة تتجاوز العصور، خاصةً فكرة "المزدوج" هذه.
    Más Menos
    6 m